كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



س: لو ألقيت بعض الضوء على هذه العلل الثلاث:
ج: 1- أما الإرسال فقد قال أبو داود عقب رواية الحديث: هذا مرسلٌ؛ خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
2- في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصري قال الحافظ: ضعيف.
3- فيه أبو قتادة وهو مدلس وقد عنعنه، وفيه أيضا الوليد بن مسلم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية وقد عنعنه.
س: وكيف الإجابة عن هذا الحديث لو صح؟
ج: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ثم على تقدير الصحة- أي صحة حديث أسماء- يحمل على ما قبل الحجاب لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه.
س: وهل هناك أجوبة أخرى عن هذا الحديث.
ج: نعم من الأجوبة:
1- أنه مخالفٌ لحال أمهات المؤمنين ونسائهم فعن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
س: وماذا عن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما- لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الكحل والخاتم. اهـ. ومعلوم أن الكحل في الوجه والخاتم في اليد.
ج: لم يثبت هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما- بل: إسناده ضعيفٌ جدًّا بل هو منكر.
س: وورد أيضًا عن ابن عباس أنه فسر الآية السابقة بقوله: ما في الكف والوجه.
ج: هذا التفسير أيضًا إسناده ضعيفٌ لضعف راويين فيه.
س: وما هي الأقوال الثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم- في تفسير هذه الآية؟
ج: قد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه- تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالثياب.
روى ابن جرير الطبري في تفسيره 18/ 119 قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني الثوري، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: {لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الثياب. اهـ.
وقد رواه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفة، والحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
س: وماذا عن حديث المرأة سفعاء الخدين التي ورد أن جابر رضي الله عنه- رآها يوم العيد؟
ج: أذكر أولًا نص الحديث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فتكلمت امرأةٌ من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير قال: فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن رواه البخاري ومسلم هذا نصه والحديث ليس فيه حجةٌ على إباحة التبرج.
س: عندي سؤال عن معنى قوله: سطة النساء؟
ج: معنى قوله: سطة النساء أي جالسة في وسطهن.
س: وما معنى قوله: سفعاء الخدين؟ في خديها تغير وسواد.
س: إذًا فقد ثبت أن جابر رضي الله عنه- قد رأى وجه المرأة؟
ج: صحيح لكن لو رجعنا إلى كلام أهل العلم على هذا الحديث لوجدنا ما يشفي الصدور.
س: وماذا قال أهل العلم عن معنى هذا الحديث؟
ج: قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: في تفسيره القيم أضواء البيان 6/597 وأجيب عن حديث جابر هذا بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وججها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عن قصد، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد فيراه بعض الناس في تلك الحال كما قال النابغة الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

فعلى المحتج بحديث جابر المذكور أن يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرها على ذلك ولا سبيل إلى إثبات ذلك.
س: وهل أجاب علماء آخرون عن هذا الحديث.
ج: نعم قد روى هذا القصة المذكورة من الصحابة غير جابر رضي الله عنه- ولم يذكروا كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر مسلم في صحيحه ممن رواها غير جابر: أبا سعيد الخدري، وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم- وذكره غير عن غيرهم، ولم يقل أحدٌ ممن روى القصة غير جابر أنه قد رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدين [حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ص (541)].
قال الشيخ حمود التويجري في كتابه الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور ص (122): ومما يدل على أن جابرًا رضي الله عنه- قد انفرد برؤية وجه المرأة التي خاطبت النبي صلى الله وسلم أن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهم- رووا خطبة النبي صلى الله علية وسلم وموعظته للنساء ولم يذكر واحدٌ منهم ما ذكره جابر رضي الله عنه- من سفور تلك المرأة وصفة خديها.
س: وهل هناك أجوبة أخرى عن حديث المرأة سفعاء الخدين؟
ج: نعم هناك، ومن الأجوبة: أن هذا المرأة ربما تكون من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا فلا تثريب عليها في كشف وجهها على النحو المذكور، ولا يمنع ذلك من وجوب الحجاب على غيرها قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60] وأيضا: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن هذه القصة كانت قبل الحجاب أو بعده، فيحتمل أنها كانت قبل أمر الله تعالى النساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن وأن يدنين عليهن من جلابيبهن.
س: وماذا قال العلامة محمد بن صالح العثمين رحمه الله عن هذا الحديث؟
قال رحمه الله في رسالة الحجاب ص (29): إما أن تكون هذا المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا فكشف وجهها مباح ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها.
أو يكون قبل نزول آية الحجاب فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة.
س: ولكن أخي، الإسلام ليس دين المظاهر فأنا والحمد لله أصلي وأصوم وأعامل الناس بخلق حسن وأساعد الفقراء.
فما الداعي للحجاب مع كل هذه العبادات والله تعالى لا ينظر إلى صورنا وأجسامنا ولكن ينظر إلى قلوبنا؟
ج: من المعلوم أن التبرج من الفحشاء والمنكر، والله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] فلو أنك تؤدين الصلاة على الوجه المطلوب بخشوعٍ كما أمر الله لكان ذلك دافع لك إلى الالتزام بالحجاب الشرعي وليس العكس.
ولو كان الحجاب مظهرًا من المظاهر لما توعد الله عز وجل المتبرجات بالنار، والحرمان من الجنة وعدم شم ريحها على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
وكذلك فإن الحجاب هو الذي يميز بين المسلمة العفيفة الطائعة والمتبرجة العاصية.
س: ولكن في الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم»؟.
ج: ليس في الحديث ما يدل على ما تقولين، فإن القلوب إذا طهرت استقامت الجوارح وانقادت إلى طاعة الله تعالى، وكانت الأعمال موافقة لمرضاة الله تعالى.
وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى الأعمال الصالحة والحجاب منها.
أما الصور والأموال التي لا ينظر الله عز وجل إليهما فهي التي في غير طاعة الله، وهي التي فيها الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس.
س: ولكن المرأة لا تعيش مرتين، والحجاب يقيد حريتي ويمنعني من التمتع بشبابي؟
ج: اسمحي لي أن أقول: أن تمتعك بشبابك لابد أن يكون وفق شرع الله تعالى، وليس وفق هواك، وهناك أمورٌ مباحة كثيرة يمكنك أن تتمتعي بها.
وهل معنى التمتع بالشباب هو فعل المنكرات والتبرج؟‍
س: ولكن الحجاب يمنعني من الذهاب إلى المتنزهات والسينما والمسارح والشواطئ، والإنسان يحتاج إلى تغيير، نحن بشر.
ج: يمكن للمرأة أن تغير من حياتها في الأمور المباحة من زيارة الأقارب والصديقات التقيات في غير تبرج ولا معصية.
وكذلك يمكن الخروج مع المحارم في غير تبرج ولا زينة ولا اختلاط محرم، أما السينما والمسارح والشواطئ فهي لا تخلوا من منكرات ومحرمات وتزيد المرء أثامًا وتذهب بالحسنات.
س: ولكن الإسلام لا يريد من الإنسان الجمود والعزوف عن الحياة؟
ج: صحيح بل الإسلام يريدك مرحة في نفسك تألفين وتُؤلفين، نشيطة في غير ابتذال، متواضعة في غير ذلة عزيزة في غير فخر، كثيرة الحياء، قليلة الأذى، صدوقة اللسان، قليلة الكلام، كثيرة العمل، قليلة الزلل برة وصولة، شكورةٌ صبورة، راضيةٌ حليمة، رقيقةٌ عفيفة، لا لكاعة ولا سبابة ولا نمامة ولا مغتابة، ولا عجولة ولا حقودة ولا بخيلة ولا حسودة، بشاشة هشاشة، ميسرة غير معسرة من رأك احترمك، ومن صاحبك أحبك، دائمة البشر مع أخواتك المسلمات.
س: ولكن أليس في الحجاب تزمت؟
ج: وكيف يكون الحجاب تزمتًا والله عز وجل هو الذي فرضه.
إن التشدد والتزمت هو المبالغة والتنطع في تطبيق الشريعة، وليس في الحجاب أي مبالغة أو تنطع، والحجاب فريضة فرضها الله، وليس في تعاليم الإسلام ما هو عسرٌ بل تعاليم الإسلام وفرائضه كلها يسر قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 85].
س: ولكن التبرج في هذه الأيام هو اليسر لأنه أصبح أمرًا مألوفًا؟
ج: كيف يكون التبرج يسرًا وهو كبيرةٌ من الكبائر، وكيف يكون يسرًا وصاحبته لا تجد ريح الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم!! والإلف والعادة إذا خالف الشرع فهو فسادٌ وشر وفتنة ولا شك.
س: ولكن كثير من الرجال يرون النساء المتبرجات ويخالطوهن ولا تحصل لهن إثارة؟
ج: هذا قولٌ مردودٌ ويبطله الواقع الذي نعيش فيه.
إن لم ينظر الشباب وهم على قارعة الطريق إلى الفتيات المتهتكات العاريات.
وهل معنى هذا الكلام أن الشباب والرجال الكبار لا ينظرون إلى المتبرجة وهي تتمايل في الطريق؟
س: هلا زدت هذا الأمر توضيحًا؟
ج: إن زينة المرأة وظهور جمالها بين الرجال غواية وإغراء وشرارة تضرم ما كمن وخمد في نفوسهم من شهوة حيوانية، كما أن رؤية الطعام وشم رائحته يوقظان الشهية، والنفس لا تشتهي إلا ما تقدمه لها العين، ولذلك أمر الله تعالى الرجال أن يغضوا أبصارهم وأتبعها بقوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} وكذلك أمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن، وأتبعها بقوله: {وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ} ومعنى ذلك: أن النظر بريد الزنا، فما بال النساء قد غفلن وخادعن أنفسهن فزعمن أن التبرج قد أصبح أمرًا عاديًا مألوفًا لا يؤثر على الأخلاق ولا يثير دفائن الشهوات، ولا يوقد نار المحروم من اللذات! أما إنهن لو عقلن لعلمن أن هذا الزعم باطلٌ ومحالٌ ولا شك، فإنه لو كان الأمر كذلك بصدق في حالة الزوج مع زوجته لانقلبت المودة بينهما عداوة والشوق نفورًا، ولأصبح كلٌّ من الزوجين حريصًا على أن يغير زوجته بعد حينٍ من الزمن فهل هذا الواقع؟‍!